• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الأستاذ الدكتور فؤاد محمد موسىأ. د. فؤاد محمد موسى شعار موقع الأستاذ الدكتور فؤاد محمد موسى
شبكة الألوكة / موقع أ. د. فؤاد محمد موسى / مقالات


علامة باركود

تجربة الإنسان المكرورة "أم المعارك"

تجربة الإنسان المكرورة "أم المعارك"
أ. د. فؤاد محمد موسى


تاريخ الإضافة: 29/7/2017 ميلادي - 5/11/1438 هجري

الزيارات: 8191

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تجربة الإنسان المكرورة

"أم المعارك"

﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [النساء: 120]

 

نعيش هذه الحياة ونُكرِّر الكثير من أنماط سلوكنا فيها، وكأنها ساقيةٌ ندورُ فيها بدون وعيٍ لِما نُكرِّره فيها، وتمر السنون، والعمر يمضي ويمضي، والساقية تدور، ونُكرِّر نفس ما عمِلناه سابقًا!

 

هل فكَّرنا:

ما الذي نهدف إلى الوصول إليه؟

وما الذي يعوق الوصولَ إلى الهدف؟

هل فكرتَ أن لك عدوًّا يتربَّص بك ليحولَ دون وصولك للهدف الأسمى الذي خُلِقت من أجله، وأقسم قائلًا: ﴿ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16، 17].


أنت الخليفة، وأنت الذي سخَّر الله لك كلَّ ما في الأرض جميعًا؛ من أجل الوصول إلى الهدف الأسمى، ولكن كثيرًا ما تضل السبيل، وتُكرِّر نفس الأخطاء التي تقع فيها، فلماذا؟ وكيف ذلك؟

هل تعرف ما هي تجرِبةُ الإنسان المكرورة؟

مَن أشخاصها؟

وما أحداثها؟

متى حدثت أول هذه التجارِب؟

وأين وقعت؟

ولماذا وقعت؟

ومتى تتكرر؟

وأين تتكرر؟

ولماذا هي مكرورة؟

أسئلة كثيرة ومتعددة.

هل معرفتُها ومعرفة الإجابة عليها هامَّة بالنسبة لك؟

هيا بنا نتأمل آياتِ الله الكريمة التي جاءت فيها هذه التجرِبة المكرورة؛ لنعرف كل ذلك.

 

1- أمرُ الله لآدمَ وزوجه بأن يسكُنَا الجنة، ويتمتَّعا فيها بكل شيء ما عدا شجرةً فيها:

﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 35].

﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 19].

 

هنا تبدأ مرحلةٌ جديدة لإعداد آدم عليه السلام للخلافة، مرحلة يُمارِس فيها آدمُ وزوجُه دَورَهما ممارسةً حقيقيَّة، مرحلة تتصارَع فيها خصائص تكوينهما الأرضيِّ الذي يستخدمه إبليس في إغوائه لهما، مع الخصائص العلوية المتمثِّلة في تكوينهما الروحي.

يتَّجِه خطاب الله إلى آدمَ وزوجه؛ ليعهد إليهما ربُّهما بأمره في حياتهما، فقد أباح لهما كلَّ ثمار الجنة، وأطلق لهما حريةَ الحياة فيها دون تدخُّل، بإعطائهما المشيئة في الاختيار مِن كل ثمار الجنة، والتمتُّع بكل ما فيها، إلا شجرة واحدة، حذَّرهما ربُّهما من الاقتراب منها.

 

ولكن لماذا هذا المباح والتمتع به؟

ولماذا هذا المحظور والنهي عن الاقتراب منه؟

إنها إرادةُ الله في إطلاق العِنان لإشباع الرغبات والشهوات المتمثِّلة في الخصائص الأرضية للإنسان، في مقابل الرغبة في طاعة الله بعدمِ الاقتراب من المحظور المتمثِّل في الخصائص الرُّوحية للإنسان، هذا المحظور الذي يتعلم منه الإنسانُ أن يقف عند حدٍّ، وأن يتدرَّب على الإرادة التي يضبِطُ بها رغباتِه وشهواته، ويستعلي بها على هذه الرغبات والشهوات، فتظل هذه الإرادة حاكمةً لها لا محكومة بها كالحيوان، فهذه هي خاصية "الإنسان" التي يفترق بها عن الحيوان، ويتحقَّق بها فيه معنى "الإنسان".

 

إن سمو الإنسان ورفعتَه تكون بتحكم تكوين الروح في الإنسان في تكوينه الأرضي، ولكن عندما يتحكم تكوين الإنسان الأرضيُّ في تكوينه الروحي، هنا يكون الانحطاط والتدني.

 

2- وسوسة إبليس لآدم وزوجه ليأكلا من الشجرة:

﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 20، 21].

﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120].

لقد وسوس إبليسُ إلى آدم وحواءَ بأن يأكلا، فناداه باسمِه؛ ليكون أكثر إقبالًا عليه، وأمكنَ في الاستماع إليه، فقال: يا آدم، هل أدلُّك على الشجرة التي مَن أكل منها عاش مخلَّدًا لا يُدرِكه الموتُ، وصار صاحب مُلك لا يفنَى، ولا يصبح باليًا أبدًا؟ وقد جاء عرضُ إبليس في صورة الاستفهام؛ ليُشعِره بأنه ناصحٌ له وحريص على مصلحته ومنفعته.

 

لنقفَ هنا لنحلل هذا الموقف:

إنها بداية التفاعل المباشر بين إبليس وآدم، تفاعلٌ منطلقُه العداوةُ مِن جانب إبليس لآدم! لقد سعى إبليس لإغواء آدم كما توعَّده، فسعى يُلاحِقه بكل السبل التي علِم ضعفَ آدم فيها، الضعف في الجانب المادي، جانب الأكل من الشجرة المحظورة، من أجل المُلك أو الخلود، ولننظر ما نتيجة ذلك.

 

3- معصية آدم وزوجه لله تعالى، وأكلهما من الشجرة نسيانًا لأمر الله تحت وطأة وسوسة إبليس:

﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ... ﴾ [الأعراف: 22].

﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [طه: 115].

﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ [طه: 121].

نسِي آدمُ وزوجُه أن إبليس عدوُّهما الذي لا يمكن أن يَدُلَّهما على خير، وأن الله تعالى أمرهما أمرًا عليهما طاعتُه، سواء عرَفا علَّته أم لم يعرِفاها، أمرهما بعدم الاقتراب من الشجرة المحرَّمة.

 

مع هذه النصائح والتحذيرات لم يستطع آدمُ أن يستمرَّ على الاستجابة لنهيِ ربِّه إياه عن الأكل من الشجرة، بل تغلَّب عليه ضعفُه، فاستَمَع إلى مكر الشيطان، ونجح إبليسُ أخيرًا في خداع آدم وحواء حتى استجابَا له؛ فدلَّاهما بغرور، فأنزلهما عن رتبة الطاعة إلى رتبة المعصية، وأطمَعَهما في غير مطمَعٍ؛ بسبب ما غرَّهما به من القَسَم.

ولكن ما الآثار التي ترتَّبت على هذه الخديعة من إبليس لهما؟ فلننظر!

 

4- انكشاف عورتَي آدم وزوجه، وإحساسهما بالذنب:

﴿ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾ [الأعراف: 22].

لَمَّا خالف آدمُ وزوجُه أمرَ اللهِ تعالى - بأن أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها - أخذَتْهما العقوبة وشُؤم المعصية، فاستحوَذ عليهما الخوفُ والحياء من ربِّهما، فتساقط عنهما لباسُهما، وظهرت لهما عوراتُهما، فأخذا يفعلان ما يفعل الخائفُ الخَجِل عادةً من الاستتارِ والاستخفاء حتى لا يُرى، وأخذَا يلزقان على أجسادهما مِن ورق الجنة ورقةً فوق أخرى ليستُرا عوراتِهما.

 

ولكن لماذا كانت هذه النتيجة لمعصية آدم وزوجه بهذا الشكل؟

لقد كانت إرادة الله أن تكونَ النتيجة من عين السببِ، إنها نتيجة مادِّية محسوسة، نتيجة طينيَّة، إخراج من نفس المعصية؛ ليكون إدراكُها أوقعَ على النفس، وأبقى أثرًا في المستقبل، إنها خطوات تتشكَّل فيها هذه النفس البشرية بتدبير من الله وتحت عينه.

 

5- عتاب الله تعالى لآدم وزوجه:

﴿ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: 22].

نادى الله عزَّ وجل آدمَ وزوجَه معاتبًا ومُوبِّخًا لهما، بتذكيرِهما بما قاله لهما من قبلُ بأنَّ الشيطان عدوٌّ لهما عداوةً واضحة، فلا يَفتُرُ عن إيذائهما، وإيقاع الشرِّ بهما.

 

ولكن لماذا هذا العتاب؟

ولماذا جاء العتاب في هذا التوقيت؟

ألَم يَكْفِ تحذيرُ ربِّهما لهما من قبلُ؟

ولماذا جاء العتاب بهذه الصيغة؟

لقد انتاب آدمَ وزوجه حالةٌ من الذُّهول من هَول الصَّدمة بارتكابِهما المعصية، ومخالفة تحذير الله لهما من قبل، وفي هذا الوقت يكون الإنسان في حالة عدم اتِّزان، وشللٍ فكريٍّ، ويحتاج إلى مَن يساعده في الخروج من هول الصدمة، ولو ظلَّ في هذه الحالة قد ينتابه حالةٌ من اليأس والقنوط.

 

هنا تتدخَّل عنايةُ الله ورحمتُه بِنِداء الله تعالى لآدم وزوجه، والنِّداءُ في ذاته في هذا الموقف الصعب، وفي هذا التوقيت - رحمةٌ من الله لهما؛ لوقف هذا الذهول والارتباك.

وأمَّا العتاب، ففيه تَذكيرٌ لِما هو في صالح آدم وزوجه، وفيه معالجةٌ لعملية النسيان وضعف العزم في آدم: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [طه: 115].

 

فكان نتيجة هذا العتاب بهذا اللطف:

6- اعتراف آدم وزوجه بالخطأ، وطلبهما المغفرة من الله:

﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]، وهنا التمَس آدم وحواء من ربِّهما الصَّفحَ والمغفرة، إنَّها خصيصة "الإنسان" التي تَصِلُه بربِّه، وتفتحُ له الأبواب إليه: الاعتراف، والندم، والاستغفار، والشعور بالضَّعف، والاستعانة به، وطلب رحمته، مع اليقين بأنه لا حول له ولا قوَّة إلا بعون الله ورحمته، وإلا كان من الخاسرين.

 

وهنا يتميَّز الإنسان عن الشيطان بأنه ينسى ويُخطِئ، إنَّ فيه ضعفًا يدخُل منه الشيطان، إنه لا يلتزم دائمًا ولا يستقيم دائمًا، ولكنَّه يُدرك خطأه، ويعرف زلَّتَه، ويندم ويطلب العون من ربِّه والمغفرةَ، إنَّه يَثوب ويتوب، ولا يلجُّ كالشيطان في المعصية، ولا يكون طلبه من ربِّه هو العون على المعصية!

 

فكان نتيجة ذلك:

7- اجتباء الله لآدم وتوبته عليه وهدايته له:

﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37].

﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ﴾ [طه: 122].

كان فضلُ الله تعالى على آدم بعد أن أكل من الشجرة، وندِم على ما فعل هو وزوجه، وتابَا إلى الله واستغفَرَا من ذنبهما بكلمات من فيض الرحمة الإلهية - أَنِ اصطفاه ربُّه وقرَّبه إليه هو وزوجه، وتاب الله عليهما، وهو التواب الرحيم، وهداه إلى الثبات عليها.

 

هنا تعلَّم آدمُ من ربِّه تعالى كيف يتوبُ عن المعاصي بالكلمات التي تلقَّاها من ربه، وكيف يلجأ إلى الله وقت الشدائد، وأن له ربًّا غفورًا توابًا رحيمًا، يتوب عليه إذا أخلص في توبته، وتعلَّم ألَّا يَقنط من رحمة الله.

إنَّ الهداية للإنسان يَلزمُها قَبولُ التوبة من الله، وقَبولُ التوبة من الله يلزمها اصطفاءٌ من الله وقربٌ منه، واصطفاءُ الله للإنسان وتقريبه إليه يَلزمه اعتِرافه بالذَّنب وطلب المغفرة من الله.

 

أي إن اعتراف الإنسان بذنبه لله، وطلب المغفرة منه بإخلاص نيَّةٍ، وإصرارٍ منه على التوبة وعدم العودة إليها - يتبعه قُرب الله منه واصطفاء الله له، ويقبَل توبته ويتوب عليه، ومن هنا تكون هداية الله له بعد ذلك، في مسار عمله واجتهاده بتوفيق من الله ورعايته.

إنها تعاملات روحيَّة تربط بين العبد وربه، ولا يستطيع إبليس أن يتدخَّل فيها، وهي مناط العبادة أصلًا؛ اتِّصال روح العبد بربِّه هو اتصالها بمصدرها، فتَلُوذ إلى كَنَف ربها، فتكون الراحةُ والسكينة، والطُّمأنينة والرضا، ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30].

 

إن خلاص الإنسان من خطيئته يكونُ بالتوبة المباشرة في يُسرٍ وبساطة، والطريق مفتوحٌ للتوبة في يُسر وبساطة، تصوُّر مريح صريح يوحي إلى كلِّ إنسان باللجوء إلى الله وعدم اليأس والقنوط، إن الله هو التواب الرحيم.

 

وبعد:

فلا بد من عودةٍ إلى مطالع التجرِبة؛ تجربة البشرية الأولى؛ كما جاء في الظلال:

لقد قال الله تعالى للملائكة: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]، وإذًا فآدم مخلوقٌ لهذه الأرض منذ اللحظة الأولى، ففيمَ إذًا كانت تلك الشجرة المحرَّمة؟ وفيمَ إذًا كان بلاء آدم؟ وفيمَ إذًا كان الهبوط إلى الأرض وهو مخلوق لهذه الأرض منذ اللحظة الأولى؟

مِن هنا يتَّضح الهدفُ من هذه التجرِبة الأولى:

1- إن هذه التجربة كانت تربية وإعدادًا لهذا الخليفة.

2- وكانت إيقاظًا للقُوى المذخورة في كيانه.

 

كانت تدريبًا له على:

• تلقِّي الغَواية.

• وتذوُّق العاقبة.

• وتجرُّع الندامة.

• ومعرفة العدو.

• والالتجاء بعد ذلك إلى الملاذِ الأمين.

عناصر التجربة المكرورة:

• قصة الشجرة المحرَّمة.

• ووسوسة الشيطان باللذَّة.

﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [النساء: 120].

• ونسيان العهد بالمعصية.

• والصحوة من بعد السَّكْرة.

• والندم وطلب المغفرة.

 

إنها هي هي تجرِبة البشرية المتجددة المكرورة!

لقد اقتضَتْ رحمةُ الله تعالى بهذا المخلوق أن يهبِطَ إلى مقرِّ خلافته مزودًا بهذه التجرِبة التي سيتعرَّض لمثلها طويلًا في الأرض؛ استعدادًا للمعركة الدائبة (أم المعارك) على الأرض، وموعظةً وتحذيرًا".

 

أم المعارك:

المعركة الكبرى التي نغفُلُ عنها دائمًا، إن في أحداث المعركة التي تُصوِّرها التجرِبة بين الإنسان والشيطان - مذكرًا دائمًا بطبيعة المعركة، إنها بين عهد الله وغَواية الشيطان، بين الإيمان والكفر، بين الحق والباطل، بين الهدى والضلال، والإنسانُ هو نفسه مَيدان المعركة، وهو نفسه الكاسب أو الخاسر فيها، وفي هذا إيحاءٌ دائمٌ له باليقظة، وتوجيه دائمٌ له بأنه جنديٌّ في ميدان، وأنه هو صاحب الغنيمة أو السلب في هذا الميدان!

 

هذه هي المعركة التي نعيشها يوميًّا، بل كل لحظة، ونغفُلُ أنها معركتنا الكبرى مع الشيطان وأنفسنا، وتتكرر فيها غَوايات الشيطان لنا، ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19].

 

أخي المسلم:

هل دربَّت نفسك على خَوْض غِمار هذه المعركة، ووصلت إلى مهارة التغلُّب على شيطانك، ونجحت في الوصول إلى برِّ الأمان؟!

إنها أم المعارك!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • كتب وأبحاث
  • عروض تقديمية
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة